العثور على جزيرة فردنانديا المفقودة

إذا أعجبتك المقالة, يمكنك مشاركتها عبر صفحتك في مواقع التواصل الإجتماعي

ذات مرة ومن دون سابق إنذار ظهرت جزيرة صغيرة أطلق عليها اسم “جزيرة فردنانديا المفقودة” في وسط البحر الأبيض المتوسط في منطقة ليست ببعيدة عن ميناء مدينة صقلية.

موقع جزيرة فردنانديا في المضيق الفاصل بين مدينة صقلية الإيطالية ودولة تونس جعل منها نقطة استراتيجية تخاصمت عليها عدة دول وقوات بحرية، بهدف السيطرة على حركة النقل والملاحة في البحر الأبيض المتوسط.

وقد كانت الحرب على وشك أن تندلع بين أربع دول أوروبية قوية بهدف السيطرة على الجزيرة، ولكن وبعد ستة أشهر من ظهور جزيرة فردنانديا، عادت واختفت مرة أخرى في البحر.

والآن وبعد مرور مئتي عام على اختفاء جزيرة فردنانديا، ها هي تعاود الظهور مرة أخرى على سطح البحر، فهل يعود الصراع بين الدول الأوروبية للسيطرة على جزيرة فردنانديا المفقودة؟

جزيرة فردنانديا المفقودة

قصة جزيرة فردنانديا المفقودة

قبل حوالي مئتي عام وتحديداً في شهر تموز/يوليو من عام 1831 ميلادي، حدثت سلسلة من الهزّات الأرضية ترافقت مع تصاعد رائحة كبريت قوية قرب سواحل جزيرة مدينة صقلية.

الناس في مدينة صقلية معتادون على ثوران البراكين، ولكن لم يُظهر أيّ بركان في المدينة علامات انفجار أو ثوران، ولم يدرك أحد مصدر هذه الهزات الأرضية والرائحة القوية!

بعد بضعة أيام تصاعد عمود من الدخان من مياه البحر مقابل صقلية، ظن الناس أنّ ناراً قد اندلعت في إحدى السفن وسط البحر.

وعندما اقتربت إحدى السفن من المنطقة شاهد قبطان السفينة عدداً كبيراً من الأسماك الميتة وفقاعات مياه كبيرة، أصبح القبطان متأكداً أنّ وحش البحر هو وراء ما يحدث.

ولكن بعد أسبوعين تماماً من تصاعد رائحة الكبريت بدأت جزيرة غريبة بالظهور على سطح البحر، يبدو أنّ هذه الهزات والرائحة الكبريتية القوية كانت ناجمة عن بركان على وشك الانفجار في هذه الجزيرة.

طوال شهر يوليو والأشهر التالية له تابعت الجزيرة بالظهور أكثر فأكثر على سطح البحر، حتى أصبحت منطقة بارزة يمكن مشاهدتها من سواحل صقلية.

وكان البركان الثائر في جزيرة فردنانديا المفقودة ما يزال نشطاً يقذف الحمم البركانية من فوهته.

وصلت الجزيرة في النهاية إلى ارتفاع (63) متراً وبلغ محيطها 4.8 كيلومتراً، كان يوجد سهل في منتصف جزيرة فردنانديا المفقودة مع قمة مرتفعة في الجانب الشمالي الشرقي.

كان يوجد أيضاً بحيرتان صغيرتان في الجزيرة، أكبرهما كانت بطول 20 متراً وعمقها مترين فقط.

في وقت لاحق ظهرت مجموعة من الصخور الضخمة في منطقة استراتيجية ضمن الجزيرة قرب ممرات وخطوط الشحن والملاحة في البحر الأبيض المتوسط.

جزيرة فردنانديا المفقودة

وهنا أدركت كل الدول التي تملك قوى بحرية أنّ من يسيطر على هذه الجزيرة سيسيطر بشكل كامل أيضاً على كامل عمليات النقل والملاحة في البحر الأبيض المتوسط، سواء العمليات العسكرية أو التجارية.

أوّل دولة ادّعت أنّ جزيرة فردنانديا المفقودة ملكها هي بريطانيا، حيث أرسلوا سفينة تابعة للقوات البحرية إلى سواحل الجزيرة ورفعوا عليها العلم البريطاني، وأعلنت بريطانيا أنّ الجزيرة تابعة لها وأطلقت عليها اسم “جزيرة جراهام الأول”.

اعتبر ملك صقلية “فردناند الثاني” أنّ ما فعلته الدولة البريطانية هو تعدي على مياه صقلية، فأرسل قواته للمطالبة بأحقيته بالسيطرة على جزيرة فردنانديا المفقودة، وأطلق عليها اسم “جزيرة فردنانديا” تكريماً لنفسه.

بعد فترة أظهر الإسبان اهتمامهم بالجزيرة أيضاً، وآخر من دخل في الحرب على الجزيرة هم الفرنسيون، الذين أعلنوا عن خطة لإنشاء أول منتجع سياحي على سواحل هذه الجزيرة.

احتدم الصراع بين الدول الأربع إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا من خلال الصحف والمحاورات الدبلوماسية، وخلال هذا الصراع كان السياح يسافرون لرؤية هذه الجزيرة وبحيراتها الجميلة.

ولكن لم ينتبه أحد إلى أنّ الجزيرة كانت تغرق ببطء في المحيط.

المواد الناعمة والمجزّأة التي تشكلت منها أرض جزيرة فردنانديا المفقودة لم تصمد طويلاً أمام أمواج البحر، وبمجرد توقف ثوران البركان بدأ البحر بإخفاء الجزيرة رويداً رويداً، حتى اختفت نهائياً في 17 كانون الأول/ديسمبر عام 1831، وينتهي معها الصراع بين الدول الأوروبية بسلام.

هل سبق وظهرت جزيرة فردنانديا المفقودة؟

هذه لم تكن المرة الأولى التي تظهر فيها الجزيرة في هذا المكان من البحر، حيث توجد تقارير تشير إلى ظهورها لأول مرة خلال الحرب البونيقية الأولى في القرن الثالث قبل الميلاد، ومنذ ذلك الوقت ظهرت الجزيرة واختفت خمس مرات.

وبسبب ثوران البركان من جديد عادت الجزيرة للظهور والاختفاء مرة أخرى في عام 1863، وبعد غرقها ظلّت قريبة من السطح على عمق 8 أمتار فقط من سطح البحر.

ولذلك كانت السفن التي تعرف مكان جزيرة فردنانديا المفقودة تعبر بعيدة عنها وتتفادى الاصطدام بها، أمّا تلك السفن التي لا تدرك وجودها فإنّ الجزيرة حتماً ستشكل مشكلة حقيقية لها. 

في عام 1987، كان طيار أمريكي في طريقه لقصف دولة ليبيا حينما شاهد جزءاً من الجزيرة، فأفرغ حمولة الطائرة عليها ظنّاً منه أنّها غواصة!

في عام 2000 وبعد تجدد النشاط البركاني في المنطقة، توقع العلماء أنّ الجبل البحري سيصبح جزيرة مرة أخرى.

ولكن إيطاليا تصرّفت بسرعة هذه المرة، حيث أرسلت فريقاً من الغواصين لنصب العلم الإيطالي على أرض الجزيرة قبل ظهورها.

بالإضافة إلى ذلك، نصب الغواصون لوحة رخامية كُتب عليها (هذه القطعة من الأرض، والتي تسمى جزيرة فردنانديا، كانت دائماً وأبداً جزءاً من صقلية).

جزيرة فردنانديا المفقودة

تقول الأخبار أنّ هذه اللوحة الرخامية دُمّرت بالكامل، البعض يقول أنّها دُمّرت بسبب بعض مخلفات الصيد، وآخرون يقولون أنّ تخريبها كان متعمّداً.

إذا ظهرت هذه الجزيرة في المستقبل القريب، فمن غير المتوقع أن تتصارع عليها الدول، فهي ليست بنفس الأهمية الاستراتيجية مقارنة بما كانت عليه منذ مئتي عام، من المتوقع أن تكون الجزيرة تابعة لإيطاليا بدون أدنى شك.

إذا أعجبتك المقالة, يمكنك مشاركتها عبر صفحتك في مواقع التواصل الإجتماعي
تعليق واحد

اترك تعليقاً